لفظ فيها نافالني أنفاسه الأخيرة… ماذا نعرف عن مستعمرة «الذئب القطبي» العقابية؟


أعلنت مصلحة السجون الروسية أن المعارض الروسي البارز والمحامي السابق أليكسي نافالني سقط الجمعة مغشياً عليه وتوفي بعد جولة تريض في مستعمرة «الذئب القطبي» العقابية في القطب الشمالي حيث كان يقضي عقوبة السجن لمدة 30 عاماً. وزعمت السلطات الروسية أن نافالني (47 عاماً) شعر بتوعك بعد المشي وفقد وعيه على الفور.

وفي أوائل ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، اختفى نافالني من سجن مركزي في روسيا حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لمدة عقدين بتهم التطرف والاحتيال، وتم تشديد عقوبة الحبس على المعارض الروسي إلى 19 سنة في أغسطس (آب) العام الماضي. وأُدرج ذاك الحكم في إطار مجموعة أحكام بالحبس صدرت بحقه، والتي يقول المؤيدون والمجتمع الدولي إنها ملفقة، وفقاً لصحيفة «إندبندنت» البريطانية.

وتبين لاحقاً أنه تم نقله إلى المستعمرة العقابية «آي كيه-3» في خارب، على بعد نحو 1900 كيلومتر (1200 ميل) شمال شرقي موسكو، حيث تصل درجات الحرارة إلى (-30) درجة مئوية.

وتقع المستعمرة العقابية «آي كيه-3» في خارب في الدائرة القطبية الشمالية التي تبعد عن سالخارد بمسافة يمكن قطعها بالسيارة خلال ساعة واحدة. وسالخارد هي العاصمة الإدارية لمنطقة يامالو-نينيتس التي تتمتع بحكم ذاتي، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

عربة إسعاف أمام مدخل لمستعمرة «الذئب القطبي» التي احتُجز فيها المعارض الروسي أليكسي نافالني (رويترز)

وبُنيت المستعمرة العقابية في عام 1946 وهي موروثة من معسكرات الأشغال الشاقة السوفياتية، وتبلغ قدرتها الاستيعابية 1020 سجيناً يفرض عليهم العمل خصوصاً في دباغة وخياطة جلود الرنة التي يستخدمها السكان الأصليون المحليون.

ظلام وتجمد وظروف قاسية

ومستعمرة «الذئب القطبي» التي احتُجز فيها نافالني آخر مرة قبل وفاته، محاطة بالجبال ومناطق التندرا، مع فصول الشتاء المظلمة المتجمدة التي تفسح المجال لفصول صيف قصيرة مليئة بالبعوض.

وأكد سجناء سابقون في مستعمرة «آي كيه-3» العقابية في خارب وقوع حالات التعذيب هناك. وفي مقابلة أجريت عام 2018 مع صحيفة «نوفي إزفيستيا»، قال أحد المدانين السابقين إنه تعرض للضرب «من جميع الجهات بهراوة» عند وصوله إلى المستعمرة، مضيفاً أن حراس السجن مارسوا «العقاب الجماعي» على النزلاء، حسبما نقلت صحيفة «إندبندنت»، ونفت السلطات الروسية مثل هذه الاتهامات.

مدخل مستعمرة «الذئب القطبي» التي احتُجز فيها المعارض الروسي أليكسي نافالني (رويترز)

وقال نافالني في ديسمبر في مزحة تشير لطول الليل وسوء الوضع في السجن، إن كل ما استطاع رؤيته خارج نافذته هو سياج طويل، ولا ضوء: «في فصل الشتاء في الدائرة القطبية الشمالية، لا يكون هناك سوى وقت الغسق في أحسن الأحوال. عندما أنظر من النافذة حيث أستطيع أن أرى الليل، ثم المساء، أرى الليل مرة أخرى».

وكان نافالني قد قال إنه اضطر إلى تحمل ظروف السجن القاسية؛ إذ سُجن عند عودته إلى روسيا حتى عام 2021 قادماً من ألمانيا، حيث تلقى علاجاً منقذاً لحياته من التسمم بغاز الأعصاب. وألقى نافالني باللوم في هذا الهجوم على الكرملين.

في ديسمبر الماضي انقطعت أخباره لأكثر من أسبوعين. في نهاية ذاك الشهر تبيّن أنه تم نقله إلى سجن ناءٍ في المنطقة القطبية. وفي 26 ديسمبر قال نافالني عبر شبكة للتواصل الاجتماعي إنه «بخير» بعد عملية نقل «مرهقة جداً» استغرقت 20 يوماً إلى سجن ناءٍ في الدائرة القطبية، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية».

ليودميلا نافالنايا (يسار) والدة زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني ترافقها سيارة أثناء مغادرتها مستعمرة «آي كيه-3» في خارب حيث قضى ابنها فترة سجنه (رويترز)

وقد قام تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية العام الماضي بفهرسة العلاج الطبي الذي قدمه الفريق القانوني لنافالني. واشتكى نافالني لأول مرة من تدهور حالته الصحية في مارس (آذار) 2021، بعد وقت قصير من نقله من مركز احتجاز احتياطي إلى مستعمرة عقابية. وكان يعاني من آلام شديدة في الظهر وتنميل في ساقيه. بالإضافة إلى ذلك، قال إنه كان يخضع «لفحوصات» ليلية تدخلية حرمته فعلياً من النوم دون انقطاع لعدة أسابيع.

صورة التُقطت بالأقمار الاصطناعية للسجن الذي قضى فيه السياسي المعارض الروسي الراحل أليكسي نافالني فترة سجنه في مستعمرة «آي كيه-3» في خارب (رويترز)

ورفضت إدارة السجن توفير الرعاية الصحية الكافية له أو حتى مشاركة سجلاته الطبية معه. وفي نهاية المطاف، وبعد حملة دولية لدعمه وإضراب عن الطعام، عرضت عليه السلطات بعض العلاج الطبي وسمحت له بالوصول إلى معلومات حول صحته، حسبما نقلت صحيفة «إندبندنت» البريطانية.

عدوى من سجين

وابتداءً من ديسمبر 2022، وضعت سلطات السجن نافالني مراراً وتكراراً في زنزانة مع سجين آخر كان في حالة صحية سيئة، وفقاً لنافالني. وفشلت السلطات في اتخاذ تدابير وقائية لحماية صحة المعارض الروسي، على حد قوله.

وفي ذلك الوقت، أصيب نافالني بعدوى في الجهاز التنفسي. ورغم تدهور حالته وحالة السجين الآخر، رفضت إدارة السجن نقله أو نقل السجين الآخر إلى الجناح الطبي. وفقاً لمحامي نافالني، فقد تم إعطاؤه في النهاية نوعاً خاطئاً من المضادات الحيوية، مما أدى إلى تفاقم حالته.

منظر يظهر كنيسة في مستعمرة «آي كيه-3» في خارب حيث قضى السياسي المعارض الروسي أليكسي نافالني فترة سجنه (رويترز)

وكان نافالني على يقين من أن أياً من زملائه في الزنزانة لم يصل بالصدفة. كان يعتقد أنها مجرد طريقة أخرى لنظام السجون الروسي لجعل حياة السجين جحيماً إذا أرادوا ذلك، حسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).

وتابع المعارض الروسي الذي كان يحق له النشر عبر مواقع التواصل: «إذا كنت تعيش في زنزانة، ويعيش شخص ما على مسافة ذراع منك على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وكنتما على مسافة متر أو مترين من المرحاض على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وكان المرحاض عبارة عن فتحة في الأرض؛ فإن الحفاظ على النظافة أمر ضروري، والسجين الذي يمثل مشكلة بهذا المعنى سيجعل حياتك على الفور لا تطاق».

أزمات صحية

وكان نافالني الذي قد أعلن أنه «على سبيل المثال، أعاني من مشكلة في العمود الفقري. من الواضح ما يجب على المرء فعله لجعل المشكلة أسوأ: إبقائي غير قادر على الحركة قدر الإمكان». وتابع: «إذا حبست شخصاً في زنزانة العقاب، حيث يمكنه الوقوف أو الجلوس على كرسي حديدي لمدة 16 ساعة يومياً، فبعد شهر في مثل هذه الظروف، حتى الشخص السليم سيعاني بلا شك من آلام الظهر. لقد قضيت كل هذا الوقت آخر 3 أشهر على هذا المنوال. وبطبيعة الحال، ظهري يؤلمني كثيراً».

وحسب «بي بي سي»، فعلى الرغم من ابتساماته خلال ظهوره في جلسات محاكمته، فإن نافالني مع كل ظهور يظهر أكثر هزالاً.

وفي عام 2023، وقع أكثر من 500 طبيب روسي على رسالة مفتوحة يطالبون فيها بعرضه على طبيب مدني بعد أن قال إنه كان يعاني من السعال والحمى واضطر إلى مشاركة زنزانة مع نزيل مصاب بمرض السل.

وطلب نافالني زيارة الطبيب لمدة شهر ونصف. وقال إنه عندما جاءت طبيبة أخيراً، فحصته لمدة خمس دقائق فقط ورفضت إخباره بتشخيصها أو بما كانت تصف، وقال إنه تم إعطاؤه الحقن بعد ذلك. وعندما سأل عما تحتويه، قيل له: «نحقن ما وصفه الطبيب. فيتامين (ب) مثلاً!». وقال إن الحقن لا تساعد، «وبشكل عام، أشعر بعدم الارتياح إلى حد ما عند حقني بعقار غير معروف».

وكان نافالني قد بدأ مسيرته بصفة ناشط ضد الفساد في عام 2007، وقاد مظاهرات حاشدة في عامي 2011 و2012، وقد صدرت أول إدانة قضائية بحقه بالاختلاس في عام 2013. ونفى نافالني صحّة التهم الموجهة إليه. ومُنع من خوض الانتخابات الرئاسية في عام 2018، وفي أغسطس 2020 أُدخل مستشفى في سيبيريا بعدما فقد وعيه خلال رحلة جوية.