الجيش السوداني يرفض هدنة في رمضان

زيادات أجور الموظّفين في الجزائر بين تثمين الموالاة وتشكيك المعارضة

انتظر موظفو القطاعات الحكوميّة في الجزائر أثر زيادة الأجور، التي وعد بها رئيس البلاد عبد المجيد تبّون، والتي قالت الحكومة إنها تصل إلى 47 في المائة، وهو رقم ثمّنته القوى السياسية الموالية للرئيس، في حين كان محل تشكيك من جانب المعارضة.

وفي ظل تدهور القدرة الشرائية أمام مستويات التضخّم، الذي تقول الحكومة إن مؤشراته بدأت تتعافى، أقرّ تبّون سلسلة إجراءات لرفع أجور العمال، التي زادت 5 مرّات ما بين عامي 2020 و2024، وشملت نحو 2.8 مليون موظف. ومع نهاية العام الماضي، بلغ التضخّم أعلى مستوياته ليلامس 9.7 في المائة، مع ارتفاع قياسي في الأسعار، وهو ما ساهم في تدهور القدرة الشرائيّة للمواطنين، واضطر السلطات إلى التعامل مع الوضع لحماية الطبقة العاملة، عبر قرارات تقول الحكومة إنها تستهدف دعم الجبهة الداخليّة.

ورصدت الحكومة الجزائرية 350 مليار دينار (نحو 2.5 مليار دولار أميركي) في إطار قانون المالية (الموازنة) لتغطية الزيادة الخامسة في الأجور التي تعهد بها تبّون في عام 2024، بعدما استهلك الغلاف المالي نفسه في قانون الموازنة لعام 2023، من أجل تغطية نفقات الزيادة الرابعة.

* واقع زيادة الأجور

وتقلّل المعارضة الجزائرية من أثر زيادات الأجور التي أعلن عنها تبون وحكومته، بل وتشكك فيها أيضاً، كما تعدّها زيادات غير كافية، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار، خصوصاً أسعار الغذاء.

ويرى رئيس الكتلة البرلمانيّة لحركة «مجتمع السلم» المعارضة، أحمد صادوق، أن الأجور في الجزائر «بحاجة إلى مراجعة عميقة، إذ لا توجد عدالة في التوزيع، وهناك تفاوت كبير بين القطاعات، خصوصاً المتعلقة بالمهن الشاقة، أو التي تكتسي طابعاً قيميّاً».

في ظل تدهور القدرة الشرائية أقرّ الرئيس تبّون سلسلة إجراءات لرفع أجور العمال (الرئاسة)

وقال صادوق في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «رغم الزيادات الطفيفة التي أقرّها رئيس الجمهورية، فإنّها ما زالت بعيدة عن واقع الحياة المعيشيّة للمواطن»، مضيفاً أن الموظّف الذي يتقاضى 50 ألف دينار (نحو 200 دولار أميركي) «يستحيل أن يكفيه هذا الأجر إلى نهاية الشهر، لا سيما حينما يكون فيه حصة إيجار السكن لمن لا يملك سكناً، كما هو الشأن لدى ما يسمّى بالطبقة المتوسّطة، التي تُحرَم من السكن الاجتماعي بسبب عتبة الأجور»، مشيراً إلى التضخم وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار في مختلف السلع والخدمات، قائلاً إنّ هذه الزيادات في الأجور «تبقى مجرد مسكّنات ظرفيّة، سرعان ما تتلاشى مع التضخم السائد».

ومن وجهة نظر صادوق، فإن المشكلة الجوهريّة «تكمُن في التنمية وانعدام المؤسسات المنتجة للثروة، التّي تمتصّ البطالة، وتوفر السلع والخدمات لحد الكفاية وتُحقّق قيمة مضافة». وقال إن الجزائر «بحاجة إلى عدد كبير من المؤسسات كمّاً ونوعاً، إذا أرادت فعلاً المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن. وحينها، إذا كانت هناك زيادات في الأجور، فإنها بلا شكّ ستحقّق هدفها، وتنفع المواطن بشكل مباشر».

* تشكيك في حجم الزيادة

من جهته، وصف الناشط السياسي المعارض، سيف الإسلام بن عطية، رفع الأجور بنسبة 47 في المائة بأنه «أكبر كذبة، ويكذّبه الواقع… فالزيادات لم تتعدَ 8 آلاف دينار (نحو 60 دولاراً أميركياً) على أقصى تقدير (الدولار الأميركي يُساوي 134.39 دينار جزائري)، لذلك، لا يمكن أن نعدّها قد وصلت إلى قرابة نصف الراتب»، عادّاً أن هناك «مغالطة قامت بها الحكومة، وهي جعل الزيادة 47 في المائة من الحد الأدنى للأجور، وليس من الأجر الأساسي لكل موظف».

جزائريون يقتنون ملابس تقليدية استعداداً لشهر رمضان الفضيل (أ.و.ب)

بن عطيّة، الناطق باسم «التيار الوطني الجديد»، الذي لا يزال قيد التأسيس، قال لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن «الأستاذ الجامعي الذي يبلغ راتبه 90 ألف دينار، أصبح أجره بعد الزيادة الأخيرة، التي كانت بداية من شهر يناير (كانون الثاني)، 98 ألف دينار، وهو ما يمثل قرابة 12 في المائة فقط من الأجر، وليس 47 في المائة منه».

وضرب الناشط المعارض مثالاً آخر بالمعلّمين في المدارس الابتدائيّة، قائلاً إن أقصى ما تلقّاه المعلّم من زيادة تراوح بين 6000 دينار و8000 دينار، بحسب قوله. وأضاف موضحاً: «بحكم أن الأجر الأساسي للأستاذ في الطور التعليمي الأول هو 32000 دينار، فإن الزيادة التي خُصّصت له لم تتعد 20 في المائة على أقصى تقدير».

ويبلغ الحد الأدنى المضمون للأجور في الجزائر 20 ألف دينار، في حين يختلف الأجر الأساسي من موظف إلى آخر، ومن قطاع إلى آخر.

* التزام رئاسي

في المقابل، يرى سقراش محمد النائب البرلماني عن «حركة البناء الوطني» المحسوبة على التيار الموالي للرئيس تبون، أن الزيادات في الأجور تأتي في إطار تعهدات الرئيس لتقوية الجبهة الداخلية، وجاءت نتيجة لارتفاع الأسعار.

ويعدّ دعم القدرة الشرائية للمواطن الجزائري التعهد التاسع والعشرين في قائمة التزامات تبون الانتخابية، التي ضمت 54 التزاماً.

رئيس «حركة البناء الوطني» عبد القادر بن قرينة (حساب الحزب بالإعلام الاجتماعي)

وقال سقراش في حديث لـ«وكالة أنباء العالم العربي» إن أجور ورواتب الموظفين في الجزائر «هي الأضعف في العالم العربي»؛ لكنّه يرى أن تبون «ورث هذه التركة وهو يتدارك تدريجياً الأمر»، مضيفاً أن «الرفع في قيمة الأجور جاء ليواكب الزيادات في الأسعار، وهو حتمية ضرورية».

ورغم أن رئيس «حركة البناء الوطني»، عبد القادر بن قرينة، نافس تبون في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019، فإن حزبه يدعم كل قرارات الرئيس.

* زيادة مقبولة

تُعدّ «حركة البناء الوطني» هذه الزيادة في الأجور مقبولة، وفق سقراش «نظراً إلى التوازنات الماليّة التي تقتضي التريّث حتى لا تخلق عجزاً آخر في الميزانية». وقال بهذا الخصوص إن رئيس الجمهورية «ورغم تبعات الأزمة الصحيّة المترتبة على جائحة (كوفيد – 19)، وما ترتب عليها من أزمة اقتصادية، التزم بتمتين وتقوية الجبهة الداخلية، لذلك لا يُمكن أن نقلّل من حجم الزيادات التي نعدّها متوسطة».

ورداً على ما تقوله المعارضة بشأن أنّ الحديث عن زيادة الأجور مردّه إلى المواعيد الانتخابية، حيث إن سنة 2024 هي السنة الأخيرة لولاية الرئيس تبّون، الذي من المنتظَر أن يعلن ترشحه لولاية ثانية، قال سقراش: «لا نعتقد أن الزيادات لها علاقة بالمواعيد الانتخابية، فهي تدخل في إطار التزامات الرئيس غداة انتخابه»، مشيراً إلى أن الرئيس «وعد ووفّى لمّا تعافت المؤشرات المالية، وسجّلنا ارتفاعاً في فائض الميزان التجاري؛ ما سمح بالتنفيذ التدريجي للزيادات».

وزير التجارة وترقية الصادرات طيب زيتوني (الوزارة)

وسجّل الميزان التجاري الجزائري فائضاً قيمته 10.42 مليار دولار في الفترة بين يناير (كانون الثاني) ونوفمبر (تشرين الثاني) 2023، وفقاً لما صرّح به وزير التجارة وترقية الصادرات طيب زيتوني في البرلمان. وأوضح زيتوني في جلسة استماع أمام نواب لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية والصناعة والتجارة والتخطيط بالمجلس الشعبي الوطني، وهو الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري أن قيمة الصادرات في الفترة نفسها بلغت 54.75 مليار دولار، منها 5.07 مليار دولار خارج قطاع المحروقات، في حين بلغ حجم الواردات 44.32 دولار فقط. بدوره، يرى النائب قراش توفيق، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية والتنمية بالبرلمان، أن أوامر تبّون بشأن الأجور «تركت أثرها في المواطن».

وقال لـ«وكالة أنباء العالم العربي»: «نُثمّن الزيادات، لأنّ الموظف دائماً ما ينتظر الزيادات، خاصّة في ظل تدهور القدرة الشرائية للمواطن». وتوقّع توفيق أن «الانتعاش الاقتصادي سيجعل الدولة في أريحية أكثر لاتّخاذ إجراءات أخرى لتحسين ظروف العمال والمواطنين».